نظرية الحوادث الطارئة: النشأة والتطور وأحكامها في القانون العربي
تُعتبر نظرية الحوادث الطارئة إحدى أهم النظريات القانونية التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين الأطراف المتعاقدة في حال حدوث ظروف استثنائية تؤدي إلى جعل تنفيذ الالتزام مرهقًا، دون أن يصبح مستحيلًا.
نشأة النظرية وتطورها
نشأت نظرية الحوادث الطارئة عقب الحرب العالمية الأولى، حين أثيرت لأول مرة في مجلس الدولة الفرنسي في قضية “غاز بوردو”. وكان هذا الحكم بمثابة الدستور المنظم للنظرية.
رغم ذلك، لم تجد النظرية تطبيقًا في القضاء المصري آنذاك. بل رفضت محكمة النقض المصرية إعمالها في حكمها الصادر بتاريخ 14 يناير 1932، حيث قضت بنقض حكم استئنافي طبَّق النظرية. ظل الأمر كذلك حتى عام 1947، حين أقرَّها المشرع المصري في القانون العام بموجب القانون رقم 129 لسنة 1947، المتعلق بالتزامات المرافق العامة.
النصوص القانونية الأولى
نصت المادة السادسة من القانون المذكور على أنه إذا طرأت ظروف غير متوقعة أدت إلى الإخلال بالتوازن المالي لعقد الالتزام، يجوز لمانح الالتزام تعديل قوائم الأسعار أو أركان تنظيم المرفق العام لتمكين الملتزم من الاستمرار في استغلاله أو للحد من الأرباح الباهظة.
هذا الإقرار جعل تطبيق النظرية مقصورًا على عقود الالتزام في القضاء الإداري فقط. أما في القانون الخاص، فلم تُطبَّق إلا بعد إدراجها في القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948 في المادة 147 الفقرة الثانية. بذلك، دخلت النظرية حيِّز التطبيق على العقود الخاصة أمام القضاء المدني.
التشريعات العربية ونظرية الحوادث الطارئة
اتبعت العديد من التشريعات العربية النهج نفسه. ففي القانون المدني الكويتي، نُظِّمت أحكام النظرية في المادة 198 من المرسوم بالقانون رقم 67 لسنة 1980. بذلك، أصبحت النظرية تُطبق على جميع العقود، بشرط توافر شروطها.
شروط تطبيق نظرية الحوادث الطارئة
أقر المشرعون والقضاء عدة شروط يجب توافرها لإعمال النظرية:
- الظرف استثنائي وعام: يجب أن يكون الظرف غير معتاد ويؤثر على المجتمع بشكل واسع.
- عدم التوقع وعدم إمكانية الدفع: يكون الظرف غير متوقع عند إبرام العقد، ولا يمكن للمدين تفاديه أو التغلب عليه.
- خارج عن إرادة الطرفين: يجب أن يكون الظرف الطارئ غير ناتج عن خطأ أو تقصير من أحد المتعاقدين.
- جعل الالتزام مرهقًا وليس مستحيلًا: يجب أن يؤدي الظرف إلى إرهاق المدين عند تنفيذ التزامه، لكنه لا يجعل التنفيذ مستحيلًا.
- التراخي في تنفيذ العقد: يُفترض أن يكون هناك فترة زمنية ممتدة بين إبرام العقد وتنفيذه.
دور القضاء في تطبيق النظرية
- في العقود الإدارية، يتمتع القاضي الإداري بسلطة القضاء بالتعويض للطرف المتضرر، دون تعديل بنود العقد إلا بموافقة الطرفين. الهدف هنا هو تحقيق المصلحة العامة واستمرار سير المرافق العامة.
- في العقود الخاصة، للقاضي المدني سلطة تعديل الالتزامات لتحقيق التوازن بين الطرفين. وقد يشمل التعديل زيادة الالتزام على أحد الطرفين أو تخفيفه، أو الجمع بينهما.
- في حالات استثنائية، يجوز للقاضي:
- وقف تنفيذ الالتزام مؤقتًا إذا كان الظرف الطارئ مرجح الزوال في وقت قريب.
- منح المدين نظرة ميسرة لتأجيل التنفيذ.
خصوصية نظرية الحوادث الطارئة في القانون الخاص
يُمثِّل تدخل القاضي لتعديل بنود العقد خروجًا عن مبدأ سلطان الإرادة في العقود الخاصة، حيث تكون قوة العقد ملزمة لطرفيه. لكن هذا الاستثناء أجازه القانون بموجب نصوص المواد ذات الصلة، نظرًا لما تفرضه الظروف الطارئة من موازنة بين حقوق الطرفين.
أحكام القضاء بشأن النظرية
- نصت محكمة النقض المصرية في العديد من أحكامها على أن تطبيق النظرية لا يعتمد على نوع العقد، بل على توافر شروطها.
- اعتبرت محكمة التمييز الكويتية أن أحكام النظرية من النظام العام، ولا يجوز الاتفاق مسبقًا على مخالفتها.
- لا يجوز للقاضي تطبيق النظرية من تلقاء نفسه، ما لم يتمسك بها المدين في الدعوى.
الخاتمة
نظرية الحوادث الطارئة تعكس حرص القانون على تحقيق العدالة بين الأطراف المتعاقدة، خصوصًا في الظروف الاستثنائية التي تخرج عن نطاق السيطرة. ومن خلال النصوص القانونية وأحكام القضاء، أُتيحت للقاضي المرونة اللازمة للتدخل، مع الحفاظ على التوازن بين المصالح الفردية والعامة.